حكم السحر في الشريعة الإسلامية
عناصر الموضوع:
• حكم تعلم السحر في الشريعة الإسلامية.
• حكم الساحر في الشريعة الإسلامية.
• حكم ساحر أهل الكتاب.
• هل يجوز حل السحر بالسحر؟
• الفرق بين السحر والمعجزة والكرامة.
• حكم تعلم السحر في الشريعة الإسلامية.
• حكم الساحر في الشريعة الإسلامية.
• حكم ساحر أهل الكتاب.
• هل يجوز حل السحر بالسحر؟
• الفرق بين السحر والمعجزة والكرامة.
حكم الساحر في الشريعة الإسلامية:
1- قال الإمام مالك - رحمه الله تعالى -:
الساحر الذي يعمل السحر، ولم يعمل ذلك له غيرُه، هو مِثْل الذي قال الله - تبارك وتعالى - في كتابه: ﴿ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ﴾ [البقرة: 102]، فأرى أن يُقتَل إذا عمل ذلك هو نفسه؛ اهـ[1].
2- قال ابن قدامة - رحمه الله تعالى -:
وحَدُّ الساحر القتل، رُوِيَ ذلك عن عمر،
وعثمان بن عفان، وابن عمر، وحفصة، وجُندُب بن عبدالله، وجندب بن كعب،
وقيس بن سعد، وعمر بن عبدالعزيز، وهو قول أبي حنيفة، ومالك.
3- قال القرطبي - رحمه الله تعالى -:
اختلف الفقهاء في حكم الساحر المسلم
والذمي، فذهب مالك إلى أن المسلم إذا سحر بنفسه بكلام يكون كُفرًا، يُقتَل
ولا يُسْتَتابُ، ولا تُقبَل توبته؛ لأنه أمر يستسِرُّ به؛ كالزنديق،
والزاني، ولأن الله تعالى سمى السحر كفرًا بقوله: ﴿ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ﴾ [البقرة: 102].
4- وقال ابن المنذر - رحمه الله تعالى -:
إذا أقر الرجل بأنه سحَر بكلام يكون
كُفرًا، وجب قتلُه إن لم يتب، وكذلك لو ثبتت به عليه بيِّنةٌ، ووصفَتِ
البينةُ كلامًا يكون كُفرًا.
وإن كان الكلام الذي ذَكَر أنه سَحَر به
ليس بكفرٍ، لم يجُزْ قتله، فإن كان أحدث في المسحور جنايةً تُوجِبُ
القصاصَ، اقتُصَّ منه، إن كان عمد ذلك، وإن كان مما لا قصاص فيه، ففيه دية
ذلك[4].
5- قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله تعالى -:
وقد استَدل بقوله تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا
﴾ [البقرة: 103] مَن ذهب إلى تكفير الساحر، كما هو رواية عن الإمام أحمد
بن حنبل، وطائفة من السلف، وقيل: بل لا يكفر، ولكنْ حدُّه ضربُ عنقه؛ لما
رواه الشافعي وأحمد قالا: أخبرنا سفيان - هو ابن عيينة - عن عمرو بن دينار
أنه سمع بجلة بن عبدة يقول: كتب عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: أنِ
اقتُلوا كل ساحر وساحرة، قال: فقتلْنا ثلاث سواحر.
قال: وقد أخرجه البخاري في صحيحه[5].
قال: وهكذا صح أن حفصة أم المؤمنين سحرتْها جارية لها، فأمرتْ بها فقُتِلت.
قال الإمام أحمد: صح عن ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في قتل الساحر[6].
6- قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله تعالى -:
وعند مالك أن حكم الساحر حكم الزنديق، فلا تقبل توبته، ويُقتَل حدًّا، إذا ثبت عليه ذلك، وبه قال أحمد.
وقال الشافعي: لا يُقتَل إلا إن اعترف أنه قتَل بسحرِه فيُقتَل به؛ اهـ[7].
الخلاصة:
ويتضح مما مر أن جمهور العلماء يقولون بقتل الساحر إلا الشافعي رحمه الله، يقول: لا يُقتَل إلا إذا قتَل بسِحْره، فيُقتَل قِصاصًا.
حكم ساحر أهل الكتاب
قال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى -:
يُقتل لعموم الأخبار، ولأن السِّحر جناية أوجبت قتل المسلم؛ فأوجبت قتل الذمي كالقتل؛ اهـ[8].
قال مالك - رحمه الله تعالى -:
لا يُقتَل ساحر أهل الكتاب إلا أن
يَقْتُل بسحره فيُقْتَل، وقال أيضًا: إن أدخلَ بسِحْره ضررًا على مسلمٍ لم
يُعاهَد عليه، نُقضَ العهدُ بذلك؛ فيحِلُّ قتله، وإنما لم يقْتُلِ النبي -
صلى الله عليه وسلم - لبيدَ بنَ الأعصم؛ لأنه كان لا ينتقم لنفسه، ولأنه
خشي إذا قتله أن تثور بذلك فتنة بين المسلمين وبين حلفائه من الأنصار؛ اهـ[9].
قال الشافعي - رحمه الله تعالى -:
لا يُقتَل ساحرُ أهل الكتاب إلا أن يَقْتُل بسحره فيُقتَل؛ اهـ[10].
قال ابن قدامة - رحمه الله تعالى -:
فأما ساحر أهل الكتاب، فلا يُقتَل لسحره
إلا أن يَقتُل به - وهو مما يُقتَل به غالبًا - فيُقتَل قِصاصًا؛ لما ثبت
أن لبيد بن الأعصم سحر النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فلم يقتله، ولأن الشرك
أعظم من سحره، ولا يُقتَل به.
قال: والأخبار وردت في ساحر المسلمين؛
لأنه يكفر بسحره، وهذا كافر أصلي، وقياسهم يُنقَض باعتقاد الكفر
والمتكلِّم به، وينتقض بالزنا من المحصَن؛ فإنه لا يُقتَل به الذميُّ
عندهم، ويُقتَل به المسلمُ، والله أعلم؛ اهـ[11].
هل يجوز حل السحر بالسحر؟
1- قال قتادة: قلت لسعيد بن المسيب: رجل به طب، أو يُؤخَذ عن امرأته - أيُحَلُّ عنه أو يُنشَر؟
قال: لا بأس به، إنما يريدون به الإصلاح، فأما ما ينفع، فلم يُنْهَ عنه؛ اهـ[12].
2- قال القرطبي - رحمه الله تعالى -:
واختلفوا هل يُسأَلُ الساحرُ حَلَّ السحر عن المسحور؟
فأجازه سعيد بن المسيب، على ما ذكره البخاري، وإليه مال المُزَني، وقال الشعبي: لا بأس بالنُّشْرة العربية، وكرهه الحسن البصري؛ اهـ[13].
قلت: والنُّشْرة هي ضرب من العلاج يعالج به من يُظَن أن به سحرًا أو مسًّا من الجن.
3- قال ابن قدامة - رحمه الله تعالى -:
أما من يَحُلُّ السحر؛ فإن كان بشيء من
القرآن، أو بشيء من الذكر والإقسام، أو الكلام الذي لا بأس به، فلا بأس
به، وإن كان بشيء من السحر، فقد توقف أحمد بن حنبل عنه؛ اهـ[14].
4- قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله تعالى -:
ويجاب عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((النُّشْرة من عمل الشيطان))[15] بأنه إشارة إلى أصلها، فمن قصد بها خيرًا، كان خيرًا، وإلا فهو شر.
قال: ولكن يحتمل أن تكون النُّشْرة نوعين؛ اهـ[16].
قلت: وهذا هو الصواب؛ فإن النشرة نوعان:
• الأول: النُّشْرة الجائزة، وهي حل السحر بالقرآن، والأدعية، والأذكار المشروعة.
• الثاني: النُّشْرة المحرمة: وهي حل السحر بالسحر، من استعانةٍ بالشياطين، وتقرُّبٍ إليهم، واستغاثة بهم، وإرضائهم[17]،
ولعل هذا النوع هو المقصود بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((النُّشْرة
من عمل الشيطان))، وكيف يجوز هذا النوع من النُّشْرة، وقد نهى النبي صلى
الله عليه وسلم في غير ما حديث عن الذهاب إلى السحرة والكهان، وبيَّن أن
مَنْ صدَّقَهم فقد كفر بما أُنزِلَ على محمد - صلى الله عليه وسلم؟
5- قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -:
النُّشْرَة: حلُّ السحر عن المسحور، وهي نوعان:
• أحدهما:
حلٌّ بسحرٍ مثله، وهو الذي من عمل الشيطان، وعليه يُحمَل قولُ الحسن
البصري، فيتقرَّب الناشر والمنتشر إلى الشيطان بما يحب، فيبطل عمله عن
المسحور.
• والثاني: النُّشْرة بالرقية، والتعوُّذات، والدعوات المباحة، فهذا جائز.
هل يجوز تعلم السحر؟
1- قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله تعالى -:
قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ﴾ [البقرة: 102] فيه إشارة إلى أنَّ تعلُّمَ السحر كُفْر؛ اهـ[18].
2- قال ابن قدامة - رحمه الله تعالى -:
تعلُّم السحر وتعليمه حرام، لا نعلم فيه خلافًا بين أهل العلم.
3- قال أبو عبدالله الرازي:
العلم بالسحر ليس بقبيح ولا محظور، اتفق المحققون على ذلك؛ لأن العلم لذاته شريف، وأيضًا لعموم قوله تعالى: ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ
﴾ [الزمر: 9]؛ ولأن السحر لو لم يكن يُعْلم، لما أمكن الفرق بينه وبين
المعجزة، والعلم بكون المعجز معجزًا واجب، وما يتوقف الواجب عليه فهو واجب،
فهذا يقتضي أن يكون تحصيل العلم بالسحر واجبًا، وما يكون واجبًا، فكيف
يكون حرامًا وقبيحًا؟ اهـ[21].
4- قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله تعالى -:
وفي كلام الرازي نظر من وجوه:
أحدها: قوله:
"العلم بالسحر ليس بقبيح"، إن عَنى به ليس بقبيح عقلاً، فمخالفوه من
المعتزلة يمنعون هذا، وإن عَنى به ليس بقبيح شرعًا، ففي هذه الآية الكريمة ﴿
وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ ﴾ [البقرة: 102] تبشيع لتعلُّم السحر، وفي الصحيح: ((من أتى عرَّافًا أو كاهنًا، فقد كفر بما أنزل على محمد))[22]، وفى السُّنن: ((من عقد عُقْدةً ونفث فيها، فقد سَحَر)).
وقوله: "ولا محظور، اتفق المحققون على
ذلك"، كيف لا يكون محظورًا مع ما ذكرناه من الآية والحديث، واتفاق
المحققين يقتضي أن يكون قد نصَّ على هذه المسألة أئمة العلماء، أو أكثرهم،
وأين نصوصهم على ذلك؟ ثم إدخاله السحر في عموم قوله تعالى: ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الزمر: 9] فيه نظر؛ لأن هذه الآية إنما دلت على مدح العالِمين العلمَ الشرعي.
ولمَ قلتَ: إن هذا منه؟ ثم ترقيه إلى
وجوب تعلمه بأنه لا يحصل العلم بالمعجزة إلا به - ضعيفٌ بل فاسد؛ لأن أعظم
معجزات رسولنا عليه الصلاة والسلام هي القرآن العظيم، الذي لا يأتيه
الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، ثم إن العلم بأنه
معجز لا يتوقف على علم السحر أصلاً.
ثم من المعلوم بالضرورة أن الصحابة
والتابعين وأئمة المسلمين وعامتهم كانوا يعلَمون المعجز ويُفرِّقون بينه
وبين غيره، ولم يكونوا يَعلَمون السحر ولا تعلَّمُوه ولا عَلَّمُوه، والله
أعلم؛ اهـ[23].
5- قال أبو حيان في البحر المحيط:
وأما حكم تعلُّم السحر، فما كان منه
يُعظَّم به غير الله من الكواكب والشياطين، وإضافة ما يُحدِثه الله إليها،
فهو كفر إجماعًا، لا يحل تعلُّمه ولا العمل به، وكذا ما قُصِد بتعلُّمه
سفْكُ الدماء، والتفريق بين الزوجين والأصدقاء.
وأما إذا كان لا يُعلَم منه شيء من ذلك؛ بل يحتمل، فالظاهر أنه لا يَحِل تعلمه، ولا العمل به.
وما كان من نوع التخييل، والدجل،
والشعبذة، فلا ينبغي تعلُّمه؛ لأنه من باب الباطل، وإن قُصِد به اللهو
واللعب، وتفريج الناس على خفة صنعته، فيُكْرَه؛ اهـ[24].
قلت: وهذا كلام حسن جَيِّد، وهو الذي ينبغي التعويل عليه في هذا الأمر.
الفرق بين السحر والكرامة والمعجزة
قال المازري:
والفرق بين السحر والمعجزة والكرامة: أن
السحر يكون بمعاناة أقوال وأفعال؛ حتى يتم للساحر ما يريد، والكرامة لا
تحتاج إلى ذلك، بل تقع غالبًا اتفاقًا، أما المعجزة، فتمتاز عن الكرامة
بالتحدي؛ اهـ[25].
قال الحافظ ابن حجر:
ونقل إمام الحرمين الإجماع على أن السحر لا يَظهَر إلا من فاسق، وأن الكرامة لا تظهر على فاسق.
وقال الحافظ أيضًا:
وينبغي أن يُعتَبَر بحال من يقع الخارق
منه، فإن كان متمسِّكًا بالشريعة، مجتنبًا للموبقات، فالذي يظهر على يده
من الخوارق كرامةٌ، وإلا فهو سِحر؛ لأنه ينشأ عن أحد أنواعه، كإعانة
الشياطين؛ اهـ[26].
تنبيه:
قد لا يكون الرجل ساحرًا، ولا يعرف عن
السحر شيئًا، ثم إنه غير متمسِّك بالشريعة، بل وربما يكون مرتكبًا لبعض
الموبقات، ومع ذلك تظهر على يده بعض الخوارق، وقد يكون من أهل البدع أو من
عُبَّاد القبور، فالقول في هذا: إنه إعانة من الشياطين؛ حتى تُزَيِّن
للناس طريقته المبتدَعة، فيتبعها الناس، ويتركوا السنة، وهذا كثير معروف،
خاصة إذا كان رئيسًا لطريقة من الطرق الصوفية المبتدَعة.
[1] الموطأ 628.
[2]
كذا قال، والمشهور عن الشافعي أنه لا يرى قتل الساحر بمجرد السحر، وإنما
يُقتَل قصاصًا إن قَتَل بسحره. نقله عنه ابن المنذر، وغيره اهـ.
[3] تفسير القرطبي 2/48.
[4] نقلاً عن تفسير القرطبي 2/48.
[5] نعم، أخرجه البخاري 6/257 فتح، دون ذكر قصة السواحر.
[6] تفسير ابن كثير 1/144.
[7] فتح الباري 10/236.
[8] المغني 10/115.
[9] فتح الباري 10/236.
[10] فتح الباري 10/236.
[11] المغني 10/115.
[12] هكذا أخرجه البخاري معلقًا 10/232 فتح.
[13] تفسير القرطبي 2/49.
[14] المغني 10/114.
[15] رواه أحمد وأبو داود، وحسَّنَ الحافظ إسنادَه في الفتح 10/233.
[16] فتح الباري 10/233.
[17] راجع أنواع الاستعانة بالشياطين في كتابي وقاية الإنسان ص 115.
[18] فتح الباري 10/225.
[19] يعني الحنابلة.
[20] المغني 10/106.
[21] نقلاً عن ابن كثير 1/145.
[22] رواه الأربعة والبزار بأسانيد حسنة بلفظ: ((فصدَّقَه))، ورواه مسلم بلفظ: ((فصدَّقه، لم تُقبل له صلاة أربعين يومًا)).
[23] تفسير ابن كثير 1/145.
[24] نقلاً عن روائع البيان 1/85.
[25] فتح الباري 10/223.
[26] فتح الباري 10/223.
إرسال تعليق