0

الإعجاز التشريعي فى حديث :
( مَنْ كان معه فَضْلُ ظهرٍ ... )

روى الإمام مسلم فى صحيحه ( 1728) وأبو داود فى سننه ( 1663) وأحمد فى مسنده (10900) :
عن أبي سعيد الخدري قال : بينما نحن في سفر مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ جاء رجلٌ على راحلة له قال : فجعل يصرف بصره يميناً وشمالاً فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( من كان معه فضلُ ظَهرٍ فليعد به على من لا ظَهر له ، ومن كان له فضلٌ من زاد فليعد به على من لا زاد له ) قال : فذكر من أصناف المال ما ذكر حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل.

حديثٌ جليل القدر ، عظيم النفع ، على بساطة ألفاظه ، ووجازة عباراته ، وقلة جُمَله ، تدبرت معانيه فوجدت أنه قد حوى من المعانى البليغة والحكم الرشيدة ما يعجز عقلى عن الإحاطة بها ، ونزّلت هذا الحديث على واقع الناس فوجدت أنه حقاً من أحاديث الإعجاز التشريعى.

وسألت نفسى : ترى ماذا يكون حال المرء وحال المجتمع بل لا أخطئ إن قلت : وحال الكرة الأرضية كلها لو أن الناس جميعاً عملوا بهذا الحديث ولم يخالفوه.

ولا يعجل أحدٌ عليّ ولا يصفنى بالمبالغة أو التهويل عندما يقرأ كلماتى هذه. ذلك أنها كلمات تخرج من قلب صادق ، وعلامة صدقه أن صاحبه – كاتب هذه الكلمات – قد عرضت له أحداث توافقت مع مفردات وعبارات هذا الحديث الشريف.

وفى هذا المقال سأكتفى بالتعرض لجزء من هذا الحديث الشريف وهو قول نبينا وحبيبنا صلى الله عليه وسلم : ( من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له ). ولنتأمل.

الظَّهر : هو كل ما يُركب من الدواب كالخيل والبغال والحمير ويلحق به وفى حكمه ما استحدثه الناس فى عصرنا من وسائل نقل ومواصلات حديثة كالسيارات وغيرها. وفضل الظهر أى ما وجد منه وزاد على حاجة المرء.

وأشبّه هذا فى عصرنا بمن يركب سيارة منفرداً وفى سيارته ثلاثة مقاعد فارغة والناس من حوله يسيرون على أرجلهم أو يقفون أوقات طويلة فى انتظار وسيلة مواصلات غالية كسيارات الأجرة أو رخيصة ولكنها مزدحمة واستعمالها قد يشوبه شئ من الامتهان مثل أتوبيسات النقل العام.

والنبى - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا ويحثنا أن نجود بما معنا من فضل ظهر على من لا ظهر له.

ولنتأمل أخوانى الأثر الحسن الذى يقع فى نفوس الناس من جراء تنفيذ هذا الحديث الشريف.

كيف يكون حال الناس والمجتمع والدنيا كلها لو أن كل صاحب سيارة نفّذ قول نبينا وقبل أن يركب معه بعض أخوانه ممن يقفون فى الشوارع بانتظار أتوبيس نقل عام ؟ كم سيكون الأثر النفسى الحسن الذى يقع فى نفس المرء من هؤلاء؟

ذات مرة كنت أسير على أحد الطرق السريعة خارج المدينة ، فوجدت شاباً ينتظر أى وسية تقله ، فتوقفت غير بعيد منه وناديته أن يركب معى لأوصله لأقرب نقطة من بيته ، وإذا بالشاب ينظر إليّ بدهشة وعلامات التعجب تملأ وجهه ...
فقال : هل وقفت لي أنا؟
قلت : نعم.
فقال : وهل لا يزال هناك أناس طيبون هكذا فى هذا الزمان!!!!

فتعجبت من كلامه أكثر من عجبه من فعلى ، أإلى هذا الحد فعل هذا الفعل البسيط هذا الأثر النفسى "الإيجابى" الكبير عند هذا الشاب!؟

وظل يدعو لى طوال الطريق بل أظن لسانه قد عجز عن إبداء الشكر. ولم أكن بحاجة إلى شكر منه ، بل أنا أحق بالشكر له ، ذلك أننى قد تنبهت إلى عظم قدر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى تمثل أمام عيني.

فقلت لو أن كل صاحب سيارة أو حتى دراجة نارية فعل هذا لتغير شكل الأرض بمن عليها.

نتأمل السيارات التى تسير فى الشوارع ، سيارة واحدة تَسَعُ لأربعة أشخاص ينفرد بها شخص واحد ، ترى لو أنه جاد على أخوانه بهذه الكراسى الثلاث لانخفضت نسبة الزحام فى الشوارع إلى الربع. وقل زحام سيارات النقل العام إلى الربع ومن ثم لن نجد شخصاً واقفاً فيها بدون كرسى ، ولأصبح أصحاب سيارات الأجرة يتوددون إلى الركاب.

من يعيش فى مدينة مزدحمة كالقاهرة مثلاً يعرف قيمة هذه العبارة جيداً ، حيث هناك سائق التاكسى هو سيد الموقف ، يأخذ ما شاء من الأجرة ويعامل الناس بقرف شديد وكأنهم من رعاياه الذين ينفق عليهم.

حتى الآن أنا لم أتطرق إلى مزايا أخرى نجنيها من وراء العمل بهذا الحديث. فحتى الآن بتنفيذ هذا الحديث نحن نجحنا فى عمل الآتى :
1- إشاعة روح الحب والمودة بين الناس وبعضهم البعض ( تأثير نفسى اجتماعى إيجابى جداً ).
2- تقليل نسبة الزحام فى الشوارع وفى وسائل المواصلات العامة إلى الربع. ( تأثير تنظيمى مدنى حضارى إيجابى جداً ).

وإليكم الآتى وهى لا تقل عنها أهمية :
3- تقليل عدد السيارات المطلوبة لنقل الناس فى الشوارع إلى الربع.
مما يؤدى إلى :
4- تقليل كمية استهلاك الوقود المستخدم فى نقل هذه السيارات.
وهذا يقودنا إلى :
5- خفض نسبة التلوث فى الهواء الجوى بدرجة كبيرة جداً.
مما يؤدى إلى :
6- التقليل من نسبة ارتفاع درجة حرارة جو الكرة الأرضية .
7- تقليل كمية الجليد الذائب عند القطبين نتيجة ارتفاع درجة حرارة جو الأرض.
8- التقليل من نسبة الأمطار الحامضية والتى تتلف الزروع والمنشآت.
9- ارتفاع نسبة الأكسجين فى الجو وخفض نسبة أول وثانى أكسيد الكربون المتصاعد من عوادم السيارات.
10- الحفاظ على دلتاوات بعض الأنهار التى يقول الخبراء أنها على وشك الغرق بعد مائتى عام جراء ارتفاع درجة حرارة الجو.


كثيرة هى الأبحاث الذى يجريها الخبراء والمختصون فى مجالات البيئة والأرصاد الجوية والجغرافيا لعلاج كل هذه السلبيات ، آلاف الأبحاث تجرى كل عام وبلا فائدة ، ملايين الدولارات التى تنفق سنوياً من أجل الحفاظ على بيئة الأرض ، وهيهات لهم هذا.

اثنتا عشرة كلمة تخرج من فم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم فيها علاج لمئات من المشاكل المستعصية والأزمات المستشرية بين الناس محلياً وعالمياً. ( من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له).

ترانى هل بالغت فى ذكر الفوائد التى تعود علينا من هذا الحديث الشريف؟
أم أننى – كالعادة – قد عجزت عن إبراز كل وجوه الإعجاز التشريعى لهذا الحديث!؟



إرسال تعليق

 
Top