0
لما قرر تعالى في هذه السورة الشريفة عبودية عيسى عليه السلام، وذكر خلقه من مريم بلا أب، شرع في مقام الإنكار على من زعم أن له ولداً، تعالى وتقدس وتنزه عن ذلك علواً كبيراً فقال: { وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم} أي في قولكم، هذا { شيئا إدًَّا} ، قال ابن عباس: أي عظيماً، وقوله: { تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا} أي يكاد يكون ذلك عند سماعهن هذه المقالة من فجَرَة بني آدم إعظاماً للرب وإجلالاً، لأنهن مخلوقات ومؤسسات على توحيده وأنه لا إله إلا هو، قال ابن جرير، عن ابن عباس في قوله: { تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا . أن دعوا للرحمن ولدا} قال: إن الشرك فزعت منه السماوات والأرض والجبال وجميع الخلائق إلا الثقلين، وكادت تزول منه لعظمة اللّه، وكما لا ينفع مع الشرك إحسان المشرك كذلك نرجو أن يغفر اللّه ذنوب الموحدين، وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (لقنوا موتاكم شهادة أن لا إله إلا اللّه، فمن قالها عند موته وجبت له الجنة)، فقالوا: يا رسول اللّه فمن قالها في صحته؟ قال: (تلك أوجب وأوجب)، ثم قال: (والذي نفسي بيده لو جيء بالسماوات والأرضين وما فيهن وما بينهن وما تحتهن فوضعن في كفة الميزان ووضعت شهادة أن لا إله إلا اللّه في الكفة الأخرى لرجحت بهن) ""هكذا رواه ابن جرير ويشهد له حديث البطاقة واللّه أعلم""، وقال الضحاك { تكاد السماوات يتفطرن منه} أي يتشققن فرقاً من عظمة اللّه. وقال عبد الرحمن بن زيد { وتنشق الأرض} أي غضباً له عزَّ وجلَّ، { وتخر الجبال هدا} ، قال ابن عباس: هدماً، وقال سعيد بن جبير: هداً ينكسر بعضها على بعض متتابعات. عن عون بن عبد اللّه: قال إن الجبل لينادي الجبل باسمه: يا فلان هل مر بك اليوم ذكر اللّه عزَّ وجلَّ؟ فيقول: نعم ويستبشر، قال عون: لهي للخير أسمع، أفيسمعن الزور والباطل، إذا قيل ولا يسمعن غيره؟ ثم قرأ { تكاد السماوات يتفطرن منه} ""أخرجه ابن أبي حاتم""الآية وعن أبي موسى رضي اللّه عنه قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (لا أحد أصبر على أذى سمعه من اللّه أن يشرك به ويُجعل له ولد، وهو يعافيهم ويدفع عنهم ويرزقهم) أخرجاه في الصحيحين. وفي لفظ: (إنهم يجعلون له ولداً وهو يرزقهم ويعافيهم). وقوله: { وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا} أي لا يصلح له ولا يليق به لجلاله وعظمته، لأنه لا كفء له من خلقه، لأن جميع الخلائق عبيد له، ولهذا قال: { إن كل من في السماوات والأرض إلا آتى الرحمن عبدا . لقد أحصاهم وعدهم عدا} أي قد علم عددهم، منذ خلقهم إلى يوم القيامة، ذكرهم وأنثاهم وصغيرهم وكبيرهم، { وكلهم آتيه يوم القيامة فردا} أي لا ناصر ولا مجير إلا اللّه وحده لا شريك له، فيحكم في خلقه بما يشاء، هو العادل الذي لا يظلم مثقال ذرة ولا يظلم أحداً.

إرسال تعليق

 
Top