0
أحمد بن عبد المحسن العساف
@ahmalassaf

هذا العنوان يعود لكتاب مختلف! والمؤلف -حسب وصف الناشر- رائع، شرير، يضرب بالسائد من الأفكار الحياتية عرض الحائط، لا يشبه سوى نفسه، ومسكون بعبقرية الابتكار. وأما الكتاب فيغزو رؤيتنا للعمل والعالم حولنا؛ بسرد حكواتي مذهل، وإخراج غير مألوف، وصور صادمة أحيانا.

يقع الكتاب في (141) صفحة من الحجم الصغير، وأصدرت دار الساقي الطبعة العربية الأولى منه عام (2012)، وهو من تأليف بول آردن وترجمة رشا الأطرش. وإذا اتبعت نصائح الكتاب فقد تجد تغيراً في حياتك، وإن خالفتها فلربما حققت مراد المؤلف؛ فالكتاب كنظرية النسبية التي كانت أول المتضررين من تطبيقاتها!
هل سبق إن اتخذت قراراً خاطئا؟ هذا الكتاب يشرح فوائد القرارات الخاطئة، ويبين أن المجازفة أمان لك، ويجزم أن هذه الطريقة في التفكير قد تكون خاطئة؛ بيد أنها طريقة صحيحة للفوز. ويعتبر أن الخطوة الأولى على الطريق الصحيح تكون بإتخاذ القرارات الخاطئة، ولا أظنه يقصد محض الخطأ بذاته؛ وإنما مقصوده القرار الذي لم يُعهد؛ وفيه جرأة ومغامرة.

ويرى المؤلف أن الرواد قد غالطوا المهام التي كلفوا بها وقدموا حلولاً جميلة، وما نجاح الموضة إلا في مخالفتها للدارج، فالبقاء في دائرة المألوف خطر، ومن يتخذ القرارات الآمنة فلن يختلف حاله عن البقية؛ وسيظل يتمنى لو أن الحياة مختلفة!
فالقرار الآمن ممل ومتوقع، ولايفضي إلى جديد، أما صنوه غير الآمن فيقودك للتفكير، والعمل بطريقة لم تخطر على بالك من قبل، وهذه أفضل استجابة للتحدي. ويقدم هذا المؤلف والمصور المثير النصيحة التالية: ابدأ بالقرارات السيئة لتجد نفسك في أمكنة لا يصلها الآخرون إلا في أحلامهم.

ويحذرك: إياك أن تعيش الإثارة من خلال تجارب الآخرين، فالناس الذين يحدثون فرقاً هم من إذا تعين عليهم اتخاذ قرار انصرفوا إلى الجامح منها! لأن الأفضل هو أن تندم على ما فعلت وليس على مالم تفعل! فما الذي يمنعك من التجربة؟ وقف للحظة وتخيل ما سيفوتك من فوائد عندما تسلك المسار الآمن دوما. وإذا كنت راضياً بحالك فالحمد لله، أما إذا كنت غير راض فما عليك سوى تغيير طريقة تفكيرك؛ أو ارضَ بعدم الرضى.

والقرارات كما يراها آردن هي لب الحياة، ولا مناص من إتخاذ أحدها، فلا تندم وامض في طريقك فأنت من يختار مصيرك. واغتنم شبابك وتهوَّر، فإما أن تنجح؛ أو تتعلم شيئاً جديداً، وتكون الفرصة واسعة أمامك للتصحيح! فالتهور والمجازفة متعة لكنهما لا يتماشيان مع التقدم في العمر؛ لأن المجازفة حينها تصبح مسألة تحتاج إلى تمعن، ولذا فبعض الناس تنتهي حياته الإدارية في منتصف أربعينات عمره؛ لأنه ساير المجموع ولم يخطئ، أما من لم يساير القطيع فيكون الطلب عليه أكثر.

هل أنت منطقي؟ يقول جورج برنارد شو: "الرجل المنطقي يتكيف مع العالم، والرجل غير المنطقي يجعل العالم ينكيف معه! كل التقدم يعتمد على الرجل غير المنطقي"، فلا تفرح إن رأيت نفسك منطقياً، فالمعرفة تجعلنا لاعبين حذرين، والسر يكمن في أن نظل طفوليين؛ راغبين في متعة الاكتشاف ولذة الدهشة.

وبدلاً من انتظار الكمال سر بما تملك وأصلحه خلال مسيرتك، وكم وأد الاستقصاء ونشدان الكمال من خير. وإذا أنجزت عملاً فاطلب صفعة على الخد بسؤالك الناصحين عن الخطأ في عملك حتى لا يجاملونك، فإن الحقيقة وإن كانت جارحة؛ لكنها على المدى الطويل أفضل من تربيت على الكتف، وكن ناقد نفسك؛ فأنت أصدق الناس تجاه نفسك.

وكي تكون مثيراً للاهتمام أظهر اهتماماً أكثر بالمتحدث، واستمع إليه بتركيز، وهكذا يزيد اهتمام الآخرين بك دون أن تتفوه بكلمة. واعلم أن الآخرين يقيمونك حسبما تقدم نفسك؛ فدع عنك تصنع الزهد، ولا تخضع "أناك" للمحاسبة؛ بل أطلق لها العنان ودع العالم يتمحور حولك، فللأنا الشريدة قدرة فائقة على الإبداع.

وما أصدقه حين وصف الاجتماعات بأنها اخترعت لمن ليس لديهم ما يكفي من العمل، فالاجتماع أداء مسرحي لإقناع المجتمعين بأهميتهم، بينما اللاعب الحقيقي لا يحتاج إلى اجتماع؛ بل يبدأ في العمل من فوره مشمراً عن ذراعيه.

ومن المفزع أن معظم الناس: أفكارهم هي آراء غيرهم، وحياتهم تقليد، وشغفهم مقتبس، بينما التقدم في أي حقل يُبنى على أصحاب وجهة النظر الشخصية أو المحدودة، فعمل الشخص الذي يمتلك وجهة نظر خاصة هو عمل مميز لأنه لا يشبه إلا نفسه، وأصحاب وجهات النظر الشخصية لا يملي عليهم أحد ما يفعلونه. وسر الإبداع يكمن في أن تمتلك وجهة نظر، وتدرك قيمتها، وتدافع عنها في وجه الرأي العام.

وأعلم أن الجهد الذي تبذله للتصالح مع ما لا تفهمه يزيد في قيمته عندك ما إن تستوعبه، وعندما تطلع على جديد في أي مضمار راقب تأثيره فيك، وكون رأيك الخاص وهكذا تصبح ناقداً لا بوقاً، وياليت أن الذين يحاكمون مجتمعاتهم بعيون الأجانب عنها يعون ذلك جيدا، ومثله الذين يزدرون حضارات الآخرين دون معرفتها.

ومعيار الفكرة الجيدة لديه أنها هي التي تنفذ؛ وحتى الفكرة السيئة تنفيذها أفضل من بقائها مجرد فكرة، وليس التميز في توليد الأفكار بل في تطبيقها. ويحثك على أن تسرق- أي تقتبس- من كل مصدر يوقد مخيلتك، واجعل اقتباسك مما يخاطب روحك مباشرة ليصير عملك أصيلا، وغالباً لا يهم من أين تأخذ الأشياء بل إلى أين تأخذها؟! وبتفكير عملي ينبهك: لا يجدر بك أحياناً أن تكون فائق الذكاء؛ فلا تبذل جهداً فيما لا طائل من الجهد الزائد فيه.

ومن توجيهاته: لا تطل البقاء في وظيفة، وتقدم باستقالتك؛ وهي خطوة تتطلب شجاعة لكنها صائبة؛ فإذا قُبلت استقالتك فغالباً لأنك كنت في المكان الخطأ، وأما إن طردوك من العمل فهذا أفضل ما يمكن حصوله لك لأنهم أطلقوا سراحك بما للكلمة من معنى! لأن انشغالك في عمل خاص بك يعني أنك تسيطر على مصيرك، وتصبح أنت الرقم واحد فيه، وتنشغل بالسياسات، لأن أي عمل ترتيبك فيه اثنين يكون تفكيرك فيه محصوراً بين رئيسك وبديلك!
ولا تقصد الجامعة إلا إذا كان تخصصك قريباً من قلبك، وإلا فاتجه لسوق العمل وتعلم من مدرسة الحياة، فإن بقاء الانسان في دائرة التفكير والبحث أجدى له؛ لأن الوصول إلى نتيجة ما قد يعني التوقف؛ وهو أمر قاتل.

ولكي تنجح في فشلك فكر في موقفك كفاشل باعتباره قاعدة جيدة للانطلاق، فالعلامات الجيدة لاتؤمن لك حياة جديرة بالعيش؛ أما خيالك فيفعل ذلك وأكثر إن أحسنت تصويب سهامك وتوجيه أهدافك.

وينصح ذا الموهبة أن أظهر نفسك، وقد يتأخر إدخالك فيما تريد؛ لكن اجعل الناس يعرفونك ويحترمون مثابرتك؛ لتجد نفسك داخل الدائرة لا خارجها، حتى لو اضطررت للعمل دون مقابل، وقدم نصيحة موجزة: أدهش من أمامك، وسيكون كل ما تفعله خلاقا.
وفي آخر الكتاب صورة لهتلر لا حباً من المؤلف فيه ولكن لأنه بحس المصور والفنان يراها محفزة تستنهض الهمة، وكأنه يلمح إلى أن تجعل أمامك ما يحفزك، فالعالم هو فكرتك أنت عنه؛ ففكر فيه بطريقة مختلفة لتتغير حياتك، وفي آخر صورة معبرة يودعك المؤلف والكتاب قائلاً: بأن نهاية الكتاب ليست نهاية؛ بل بداية! فهل ستبدأ؟ أتمنى لك التوفيق.

أحمد بن عبد المحسن العسَّاف-الرِّياض
@ahmalassaf

الخميس 03 من شهرِ جمادى الآخرة عام 1435

إرسال تعليق

 
Top